نساء يتسمن برجاحة العقل وحسن التصرف
المرأة المسلمة تعتني ببناء عقلها كما تعتني بجمالها ، ذلك أن العناية بالعقل لا تقل أهمية عن العناية بالجسم ، وكما يقال المرء بأصغريه : قلبه ولسانه ،أي بعقله وتفكيره ومنطقه ومن هنا تبرز أهمية بناء العقل وتثقيفه وتزويده بالمعارف والعلوم النافعة.
فالمرأة العاقلة تستطيع أن تحافظ على نفسها وأولادها وبيتها في أصعب المواقف ، كما أنها تنعم بالسعادة في الدنيا والأخرة ، ويسود بيتها الهدوء والطمأنينة ، فما أحوج بيوتنا للمرأة العاقلة ، ذلك لأن الرجل يعاني خارج المنزل من الضغط الخارجي نتيجة اختلاطه بالمجتمع ومعافسة شرائحه، يولِّد عنده شيئاً من الانفجار؛ وربما كان ذلك في وجه الزوجة، فإنْ لم يجد امرأةً عاقلةً تقابل ذلك بالاتزان والعقل فسدت الحياة .
وكانت الكثير من نساء الأمة في الصدر الأول يتسمن برجاحة العقل وحسن التصرف، فأخرجن أجيالاً حملت رسالة الإسلام على عاتقها لعقود طويلة، وأنارت الدنيا بعلمها وفضلها وأخلاقها الإسلامية.
خديجة بنت خوليد (رضي الله عنها) :
أول زوج لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – .. وكانت امرأة عاقلة ذات مال يرغب فيها الرجال.
ومن رجاحة عقلها:
1) رغبت عن الأزواج، واختارت النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – زوجا لها .. لما رأت فيه من علامات النبوة.
2) المسارعة إلي الإيمان بالله ورسوله – صلى الله عليه وسلم – فكانت أول من آمن من الرجال والنساء
3) واست النبي – صلى الله عليه وسلم – بمالها، وفرغته لجهد الدين والدعوة إلي الله – عز وجل -.
4) ما أغضبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قط.
5) قصتها في كشف رأسها لتعرف الملك الذي يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – في حراء ملك .. أم شيطان.
قال الذهبي عنها في السير (2/109 110) : ” أمُّ المؤمنين وسيِّدة نساء العالمين في زمانها … أمّ أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم (سوى إبراهيم) ، وأوَّلُ مَن آمن به وصدَّقه قبل كلِّ أحد، وثبَّتتْ جَأشَه … ومناقبُها جَمَّة، وهي مِمَّن كمُل من النساء، كانت عاقلةً جليلةً ديِّنةً مصونةً كريمةً، من أهل الجنَّة، وكان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُثني عليها ويفضِّلها على سائر أمّهات المؤمنين، ويُبالغ في تعظيمها … ومِن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنَّها لَم يتزوَّج امرأةً قبلها، وجاءه منها عدّةُ أولادٍ، ولَم يتزوّج عليها قطُّ، ولا تَسَرَّى إلى أن قضت نَحْبَها، فوَجَدَ لفَقْدها؛ فإنَّها كانت نِعمَ القرين … وقد أمره اللهُ أن يبشِّرَها ببيتٍ في الجنّة من قصَب، لا صخَبَ فيه ولا نصَب “.
ومِمَّا قاله ابنُ القيِّم في جلاء الأفهام (ص:349) أنَّ مِن خصائصها أنَّ اللهَ بعث إليها السلام مع جبريل عليه السلام، وقال: “وهذه لَعَمرُ الله خاصَّة لَم تكن لسواها”.
أم المؤمنين السيدة عائشة (رضي الله عنها):
من رجاحة عقلها:
حينما خيرها النبي – صلى الله عليه وسلم – لما أنزلت عليه {: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا *} (سورة الأحزاب الآيتان من 28: 29).
فقال: يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب ألا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ” قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية. فماذا قالت؟ انظر إلي رجاحة العقل، قالت: أفيك يا رسول الله! استشير أبواي، بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة (صحيح مسلم).
أسماء بنت أبي بكر الصديق (رضي الله عنها):
من رجاحة عقلها:
أنه لما خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخرج أبو بكر – رضي الله عنه – معه احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم فانطلق به معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة – رضي الله عنه – وقد ذهب بصره فقال: والله! إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: قلت: كلا يا أبت! إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً. قالت: وأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقالت: يا أبت! ضع يدك علي هذا المال. قالت: فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذ كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغٌ لكم، والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك. وهذا الذي فعلته من رجاحة عقلها رضي الله عنها.
ومن رجاحة عقلها أيضا:
عندما جلست معها ابنها البطل الشهيد عبد الله بن الزبير أيام محاصرة الحجاج له في الحرم فقال لها: والله ما أخاف إلا أن يمثل بي. فقالت له: وما يضر الشاة سلخها بعد ذبحها.
أسماء بنت عميس، (رضي الله عنها):
عن الشعبي قال: تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسماء بنت عميس (رضي الله عنها) فتفاخر ابنها محمد بن جعفر، ومحمد بن أي بكر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك فقال لها علي (رضي الله عنه):اقضي بينهما، فقالت: ما رأيت شابا خير من جعفر، ولا رأيت كهلا خيرا من أبي بكر، فقال لها: فما أبقيت لنا.
انظروا إلي هذه المرأة العاقلة التي فضت النزاع بينهما بحسن التصرف في القول، فأنصفت كل من زوجيها ، حتي قال لها علي رضي الله عنه علي سبيل المزاح، فما أبقيت لنا؟.
أم سلمة (رضي الله عنها) :
من رجاحة عقلها: إشارتها علي النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم الحديبية، أن يحلق رأسه وينحر هديه ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنحر والحلق في الحديبية ، فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (قوموا فانحروا ثم احلقوا)، فوالله! ما قام منهم رجل.
فقد كانوا في حالة من الغم والاكتئاب والحزن؛ بسبب ما شعروا أن الصلح هضم للمسلمين وإجحاف بهم.
قال: (قوموا فانحروا ثم احلقوا)، فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: (يا نبي الله! أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً).
فالرسول عليه السلام أخذ بمشورة أم سلمة، ومن سيرتها يعلم أنها امرأة عاقلة وحكيمة، وآتاها الله سبحانه وتعالى رجاحة العقل، ونحن نعرف أن كثيراً من النساء تقاس بمئات من الرجال؛ لرجاحة عقولهن وقوة رأيهن، لكن إن كن بخلاف ذلك فينبغي الحذر.
وممن اشتهرن برجاحة العقل عبر التاريخ
هاجر عليها السلام:
ما أعقلها حينما جاءها إبليس عليه لعنة الله، فقال: أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: ذهب في حاجته، قال: فإنه يريد أن يذبحه، قالت: وهل رأيت والدا يذبح ولده؟ قال: هو يزعم أن الله أمره بهذا، قالت: فقد أحسن حيث أطاع ربه .. وحينئذ علمت أنه إبليس فحملت حصيات ورجمته.
ملكة سبأ
روي أن بلقيس كانت امرأة عاقلة لبيبة قد ساست الأمور، وسبرت أغوار الناس ولم تغتر بما أبداه جيشها ورجالها من القوة والبأس، وحسن النظام، وكمال الطاعة، وقالت لهم: أيها القوم، هذا كتاب من ملك، فإذا عاندناه وحاربناه ربما يغلبنا، ويدخل ديارنا فيهتك سترنا، وإن الملوك إذا دخلوا قرية فاتحين غازين أفسدوها، وجعلوا أعزة أهلها أذلة، نعم، ومثل ذلك وأكثر منه يفعلون!! وإنى سأعرض عليكم رأيا آخر، ربما كان أحكم وأسلم، ذلك أن نرسل لسليمان هدية نصانعه بها، وتأتى رسلنا بأخباره الحقيقية، وسيكون لنا بعد ذلك شأن، وهذا رأى سديد … وقد ارتضاه الكل، وأرسلوا الرسل. (التفسير الواضح)
وكانت تعرف أن سليمان لو كان نبيا لترفع عن أخذ الهدية ولو كان ملكا لأخذها، فأحبت أن تتأكد من هذه المسألة .
قال قتادة: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها، علمت أن الهداية تقع موقعا من الناس.
وقال ابن عباس – رضي الله عنه -: قالت لقومها: إن قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي فاتبعوه. وهذا من أقوى الأدلة علي رجاحة عقلها حيث أمرت قومها باتباعه إن كان نبيا .. فكانت مشورتها مع قومها سببا لنجاتها ونجاة قومها وسبب إسلامها وسعادتها في الدارين: في الدنيا بالإسلام والزواج بنبي الله سليمان – عليه السلام -، وفي الآخرة بالخلود في الجنان.