هكذا اخترع زجاج السيارة
سنة 1903 كانت البشرية على موعد مع واحدة من أروع الصدف، فخلال الأشهر الأخيرة من تلك السنة تمكن الرسام والملحّن وعالم الكيمياء الفرنسي إدوارد بينيدكتوس دون قصد من تحقيق اكتشاف هام ساهم في إنقاذ آلاف الأرواح البشرية بشكل يومي.
فخلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1903، كان بينيدكتوس بصدد إعادة تنظيم محتويات رفوف مكتبته.
وبعد صعوده السلم، أوقع العالم الفرنسي دون قصد قنينة زجاجية كانت موجودة على أحد الرفوف العليا، فما كان منه إلا أن نزل في سعي منه لجمع بقايا الزجاج المتناثر.
القنينة وصدف الوقوع عن الرف
إلا أنه ذهل من المنظر الذي شاهده، فبدل أن تنكسر القنينة الزجاجية وتتحول إلى قطع صغيرة إثر سقوطها من علو بضعة أمتار، ظلت الأخيرة قطعة واحدة، كما أنها بسبب الصدمة التي تلت ارتطامها بالأرض، لاحظ بينيدكتوس وجود تشققات عديدة على القنينة.
وعلى الأثر أمسك إدوارد القنينة الزجاجية المتشققة وباشر بشمها لمعرفة محتواها.
فنظر إليه أحد مساعديه داخل الغرفة، وأخبره أن القنينة الزجاجية احتوت سابقا نيترات السيليلوز، لكن مع مرور الوقت تبخرت هذه المادة، تاركة طبقة رقيقة على الجدران الداخلية للقنينة.
زجاج السيارات
وهكذا عن طريق تلك الصدفة التي جرت سنة 1903، اكتشف بينيدكتوس زجاج الأمان، الذي سيعتمد خلال السنوات التالية كزجاج للسيارات مما سيساهم في إنقاذ ملايين الأرواح البشرية.
وبعد هذه الحادثة، قرأ إدوارد بينيدكتوس في إحدى الصحف الباريسية مقالا حول حادث مرور أليم راحت ضحيته سيدتان، عقب إصابتهما على مستوى الرقبة بسبب تناثر شظايا زجاج السيارة.
وبالتزامن مع اطلاعه على مقال آخر حول ارتفاع أعداد القتلى خلال حوادث المرور بسبب زجاج السيارات، فكّر العالم الفرنسي في تجربته السابقة التي ظلت خلالها القنينة الزجاجية قطعة واحدة، ليبدأ إثر ذلك بإجراء بحوث من أجل صناعة زجاج آمن للسيارات.
وبعد مضي فترة وجيزة نجح الأخير في إنتاج الزجاج الرقائقي.
وفي حدود سنة 1909، حصل العالم الفرنسي بينيدكتوس على براءة اختراع الزجاج الرقائقي ليقوم بحلول سنة 1911 على بعث مؤسسته الخاصة لإنتاج هذا النوع من الزجاج.
الغاز السام والحرب العالمية الأولى
وخلال فترة الحرب العالمية الأولى، استخدم الزجاجي الرقائقي لصناعة زجاج الأقنعة الواقية من الغاز السام، حيث تميز هذا الزجاج بقدرته على تحمل الصدمات دون إلحاق الضرر بالجنود.
يذكر أنه في بادئ الأمر ترددت أغلب شركات صناعة السيارات في استخدام زجاج الأمان.
في حين باشر هنري فورد سنة 1919 بصناعة عدد من السيارات المزودة بهذا الزجاج.
ومع حلول سنة 1929 وبفضل النتائج الإيجابية وتراجع عدد الوفيات خلال حوادث المرور بشكل واضح، اعتمدت شركة فورد رسميا على زجاج الأمان كمعيار رئيسي أثناء إنتاج السيارات.
إلى ذلك، أقدمت جميع شركات صناعة السيارات على اتخاذ خطوة مماثلة واعتماد زجاج الأمان خلال الفترة التالية.
وساهم هذا الاختراع الذي جاء بمحض الصدفة عقب حادثة عرضية في إنقاذ ملايين الأرواح البشرية وإلى يومنا الحاضر لا يزال لزجاج الأمان دور هام في إنقاذ الآلاف يوميا.